كأب أو كأم .. هل تتعرض لأسئلة محرجة من طفلك لا تجد لها جواباً؟!

 ما هي ؟! ……………………………………كيف تتصرف عادةً ؟!

سأل طفل أمه ياسمين: ربنا كيف شكله؟! وشو قاعد عم يساوي فوق بالسما ؟!

جاوبته وهي مرتبكة حائرة: ما بعرف !!!

قد أستفزُّ القارئ الكريم بهذا العنوان الصادم …

كما يستفزُّك مثل هذا الطفل وغيره بأسئلته التي لا تعرف الإيمان التقليدي أو ما اعتدنا على تصديقه أو العيب أو الحرام، كون الطفل بدأ يستكشف مفاهيم الحياة من حوله بعقله الفتي الذي بدأ يستعمله بمهارة وبأسلوب الفطري جريء متحرر من القيود ….

 فعلى اعتبار الطفل كالصفحة البيضاء ….

.. هو ملحد في عرفنا نحن الكبار، كونه لا يعرف الله حق المعرفة بعد…

وهو وقحٌ أيضاً، كونه لم يميز بعد بين حلالٍ أو حرامٍ أو عيبٍ  ….

لذلك من الطبيعي [1] أن يتعرض كل من يعمل مع الأطفال كأب أو كأم أو كمعلّم لأسئلة محرجة من طفله أو محرجة جداً، قد لا يجد لها جواباً، أو قد لا يستطيع أن يجيب طفله عليها في مرحلة عمرية محددة …

لمَ تسبب أسئلة الطفل حرجاً لي ؟!

ربما بسبب قلة معلوماتي عن التربية وعالم الأطفال، أو ربما بسبب عدم نضج أو صحة مفاهيمي أنا عن الحياة كمربي، أو عدم قدرتي عل تبسيط المعلومة ليفهمها عقل طفل صغير ببساطة دونما تعقيد. والأهم أني كمربي لا أعرف كيف أصيغ معلوماتي بحيث تكون مناسبة أولاً ومفهومة ثانياً بشكل صحيح لطفلي من حيث العمر ومستوى الاستيعاب. إذن طريقة إيصال المعلومة للطفل بشكل مناسب هي أهم عائق أمام المربي في حواره مع طفله المحرج.

 أولاً … هذه الأسئلة مهمة جدا لك ولطفلك …

هذه الأسئلة تساعد المربي قبل الطفل على أن ينضج في المعرفة الخاصة به، حتى يقدمها لطفله بشكل منطقي وعقلاني وواقعي وعملي (والكلام دقيق)، كي تساعد طفله على التعامل مع نفسه ومع محيطه ومع الواقع الحالي وتحدّيات المستقبل …

وقد يتطور عند طفلك إن خططت لذلك ملكة أو مهارة التفكير النقدي أو الناقد critical thinking، أي ألا يهضم أي معلومة دون أن يفهمها وينقدها ويأتي بما معها وضدها، وهي مهارة مهمة مستقبلياً لأي باحث أو طبيب أو عالم …. سأتحدّث عنها في الفقرة التالية لأهميتها.

عموماً الأسئلة الدينية صعبة على الكبار، غالباً كون المفاهيم الدينية غير ناضجة تماماً في أذهانهم. علماً أن الأحداث العالمية ( مثل ما يحصل في سورية من ثورة وحرب ..وغيرها) تساهم بشكل كبير في إنضاج الأفكار الأساسية عن الحياة والكون والنفس و الدين بالضرورة ..

ومن المفيد جمع هذه الأسئلة في بنك أسئلة للمجتمع كله …

وهذا رابط لمحاولة جمع أكبر كمية من هذه الأسئلة المحرجة من أطفالكم وطريقة الرد المعتادة من قبل المربيين عليها

https://docs.google.com/forms/d/e/1FAIpQLSeB33N1jiEkOYUAMS3rKEU5svPxr58jhCC881NHE4HuHDg7Yg/viewform

ثانياً … ما هي هذه الأسئلة ؟!

أسئلة الأطفال المحرجة متعددة ومتلونة ومفاجئة في كثير من الأحيان …
عموماً هنالك أسئلة مثلاً عن ماهية الموت، وأسئلة عن هيئة وشكل الله جلًّ وعلا، وأسئلة عن الدين عموماً، وأسئلة عن الأحداث السياسية الراهنة، وأسئلة في غاية الحرج للمربيين عن الأمور الجنسية، والفرق بين الذكر والأنثى وسبب ذلك وكيفية الحمل والولادة …. إلى آخره ..

وما سبق ذكره يُمثل برأيي أغلب الأسئلة الشائعة عند الأطفال، علماً أنه كلما زاد اضطلاع الطفل [2] وذكاؤه زادت معه أسئلته وتفصيلاتها لدرجة قد لا تكون متوقعة، بل ربما تعجز عنها معارف المربي نفسه ..

 

إذاً نستطيع تصنيف أسئلة الأطفال المحرجة للمربي على الشكل التالي:

  • أسئلة دينية:

تتمحور حول الخالق والعقيدة والطقوس الشعائرية والموت وما بعد الموت.

  • أسئلة جنسية:

تتمحور حول الفرق بين الذكر والأنثى والعلاقة الخاصة والحمل والولادة.

  • أسئلة سياسية:

حول أحداث العالم وسبب الحروب ونظام الحكم.

ثالثاً…مفاهيم مهمة حتى لا تُحرج كمربي مع طفلكـ

أولاً: يجب أن تعلم أيها المربي الفاضل أن طفلك لا يحرجك هو بأسئلته مهما بلغت من الجرأة أو الوقاحة، بل أنت من تُحرج نفسك كونك لا تملك بعد طريقة الرد المناسبة، أو هي حالة المفاجأة -بل ربما الصدمة- من طفلك إن سألها لك، وهي تربوياً متوقعة من أي طفل، بل هي بمثابة الحق للطفل بأن يسأل ما يريده ويحاول أن يجد الجواب المناسب بمساعدتنا..

ثانياً: المفاهيم التالية تمثل مادة أولية للنقاش مع طفلك يجب أن تتملكها وتصيغها وتبسّطها حسب عقل الطفل، ليكون الحوار مع طفلك مناسب ومنطقي وعقلاني وواقعي ومفيد له:

  • مفهوم الحياة ومفهوم الخير والشر مفهوم الإله

لمَ هذه الحياة ؟!، من أوجدها ؟!، لمَ هنالك أشرار ؟!، لمَ الموت؟!، وماذا بعد الموت؟!

قل لطفلك: الحياة اختبار أو امتحان، هدفه الأساسي “منْ سيحسن العمل؟!”..
فلا بد في البداية من التعلّم ثم العمل ثم الإتقان في العمل ثم الإحسان ثم الإبداع..

والأشرار من الناس هم من اختاروا أن يكونوا أشرار لضعف علمهم وعنادهم وكسلهم.. والأشرار وجودهم ضروري فهم اختبار للأخيار من الناس ولإظهار حسن عملهم أمام سوء عمل الأشرار، كما هو حال في ضرورة وجود اللون الأسود ليظهر حسن اللون الأبيض ونقاءه ..

  • مفهوم الإله

ماهية الله ( شكله) جل وعلا غير معلومة تماماً سبحانه وتعالى ..

قل لطفلك: كل ما خطر في بالك فالله أعظم من ذلك !!

فهو جميل في غاية الجمال … وهو كبير في غاية الكبر … وهو قوي في غاية القوة ..

وهكذا نردد أمام الطفل صفات وأسماء الله  …

  • مفهوم الجنس

سأستعرضه في الفقرة الخامسة من خلال “الأمثلة عن أسئلة الأطفال المحرجة وطريقة الرد المناسبة”

كتبت أم: أسئلة طفلي عن الجنس بمثابة تأكيد معلومات سمع بها من صديق، فما يكون مني إلا أن أتهرب أو أكذب عليه بمعلومات مؤقتة تناسب عمره حتى يأتي الوقت المناسب

وكان ردّي: لا يجوز الكذب على الطفل أبدا حتى بالأمور الجنسية

هنالك مفاهيم أخرى غالباً ما يسأل عنها الطفل كمفهوم الشيطان والجان والسحر والأشباح، سأستعرضها في كتاب خاص مفصّل من خلال أمثلة عملية عن أسئلة الأطفال المحرجة وطريقة الرد المناسبة.

رابعاً…كيف تقدم أجوبة لطفلك صحيحة وسليمة ومناسبة وعملية ؟!

كتبت الأم بشرى طريقتها في ذلك:

أتعرض بكثرة لأسئلة طفلي المحرجة، والتصرف يكون ألا أظهر ارتباكي وأجاوب بصراحة وبشكل علمي وبطبيعية وبشكل يتناسب مع عمره

 

خمس قواعد عامة في الإجابة على أسئلة طفلك المحرجة:

  • من حق الطفل أن يعرف:

اعلم أنه من حقه أن يعرف معرفة صحيحة، بلا أفلام، لا تكذب عل طفلك
كن مصدر جيد وموثوق لطفلك، لا تجعله ينصدم بك لما يكبر.
لازم نشكر الطفل إن سأل هذا السؤال ( المحرج )، كيلا يسأل غيرنا فيما بعد ومحاولة تبسيط المعلومة وتهذيبها ..

الكذب على الأطفال يؤثر على مصداقية المربي، يجب رواية الواقع كما هو، ولكن: لا تطعم طفلك كيكة كاملة. كيف ؟!

كتبت الأم أسماء: سألني ابنى: كيف أنا دخلت بطنك يا ماما ؟!

قلت له: من خلال إبرة، وكنت نقطة مثل نقطة الماء، وكبرت في بطني، والدكتورة فتحت بطني وخرجت .. ومن ساعتها ما سألني ..

التعليق: هذا الجواب بعيد عن الواقع، وقد يفقد الطفل ثقته بالمربي ومصداقيته لما يعرف الجواب الحقيقي

  • لا تطعم طفلك الكيكة كاملة:

لا تعطه الحقيقة كاملة، خاطبه على قدر عقله، استعمل التشبيه أو الرسم، استعمل التأجيل ليكبر واربطه معك

  • عادي قل “لا أعلم”:

تعال نبحث أو نسأل، درّبه على البحث، هي فرصة لك كي تتعلّم وتنضج وتزداد علماً، وفرصة له أيضاً… ممتاز جواب “لا أعرف، تعال نبحث”، هذا يعلّم الطفل على مبدأ البحث والتعلم، وأن “نصف العلم لا أعلم”

  • ليس بالضرورة أن طفلك يريد جواباً دقيقاً عن سؤاله:

بل يريد أن تعرف ما هو الهدف من هذا السؤال.

  • لا تنسَ أن تشكر طفلك إن أحرجك بسؤاله:

يجب شكر الطفل على سؤاله المحرج لي كونه وثق بي، وهذه الثقة بين الطفل والمربي غالية جداً ولا تُقدر بثمن، فلو لم يثق بك لذهب لغيرك ربما ليس أهلاً للثقة ليحشو عقله بالغث والسمين …

 ———————————————————————————————-

إعداد: د. ملهم زهير الحراكي
طبيب ومعالج ومدرب نفسي للأطفال والمراهقين – مدرب في مهارات الوالدية الفعّالة للآباء والأمهات

 ———————————————————————————————-

[1] علماً أنه ليس من غير الطبيعي ألا يسأل الطفل هذه الأسئلة، أي إذا لم يسأل الطفل أسئلة محرجة للمربي فهذا لا يعني أن الطفل غير طبيعي أو بحاجة أثير في عقله مثل هذه الأسئلة، وخاصة دون 10 سنوات، أترك الموضوع له ليسأل عنه وأنا أشرح له المفاهيم الأساسية عن الحياة وخالقها والدين والأخلاق وغيرها، أما بعد 10 سنوات من المفضل وخاصة إن ملك الربي مهارات الحوار والإقناع أن يقوم بإثارة مثل تلك الأسئلة لتقوية عقيدة الطفل والقناعات الأساسية عن نفسه وخالقه والحياة والناس من حوله.

[2] خاصةً من خلال امتلاكه لجهاز ذكي مفتوح على الإنترنيت دونما رقيب، مع افتراض أنه لن يدخل على مواقع مخلّة أو خطيرة.